الإخلاص
التعريف: لغة: من مادة (خ ل ص) التي تدل على تنقية الشيء، والخالص: الصافي.
اصطلاحًا: تعدَّدت أقوال العلماء المحققين في ذلك، وفيما يلي أهمها:
1- أن يكون سكون العبد وحركاته لله - تعالى - خاصة.
2- الإخلاص فقْد رؤية الإخلاص، فإن مَن شاهد في إخلاصه الإخلاصَ، فقد احتاج إخلاصُه إلى إخلاص.
3- تخليص القلب عن شائبة الشوب المكدر لصفائه الفطري؛ كقوله – تعالى -: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا} [النحل: 66].
أقوال في الإخلاص:
قال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 11]، وقال - سبحانه -: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} [الزمر: 14]، وقال - تعالى -: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 14].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه))[1].
وقال مكحول: "ما أخلص عبدٌ قط أربعين يومًا إلا ظهرتْ ينابيع الحكمة من قلبه ولسانه".
وقال الفضيل بن عياض في قوله - تعالى -: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك: 2]: "العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه"، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا، لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا، لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص: ما كان لله، والصواب: ما كان على السنة".
وقال الجنيد: "الإخلاص سر بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله".
وقال ابن القيم: "العمل بغير إخلاص ولا اقتداء، كالمسافر يملأ جرابه رملاً ينقله ولا ينفعه".
حقيقة الإخلاص: التبرؤ من كل ما دون الله - تعالى - فَيُنظر إليه من زاويتين:
الأولى: من جانب العمل، بحيث يكون نقيًّا من الشرك والرياء والسمعة، والغش والاحتيال والكذب، ونحوها، وكان باعثه التقرُّب إلى الله - تعالى - ولم يلتفت إلى حظوظ الدنيا، ولم ينغمس في شهواته؛ ولذلك كان الإخلاص صعبًا وعزيزًا، حتى قيل: "مَن سَلِم له من عمره لحظةٌ خالصة لوجه الله، نجا، والخالص هو الذي لا باعث له إلا طلب القرب من الله تعالى".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إخلاص الدِّين لله هو الدين الذي لا يقبل الله سواه، وهو الذي بعث به الأولين والآخرين من الرسل، وأنزل به جميع الكتب، واتَّفق عليه أئمة أهل الإيمان، وهذا هو خلاصة الدعوة النبوية، وهو قطب القرآن الذي تدور عليه رحاه".
الثانية: من جانب معناه وشروطه، باعتباره موقفًا يلتزم به الإنسان في حياته، فينقسم الإخلاص هنا إلى:
1- إخلاص الأقوال. 2- إخلاص الأفعال. 3- إخلاص العبادات. 4- إخلاص الخواطر.
مستلزمات موقف الإخلاص:
1- الاستمرار: بحيث لا يتبعثر، أو يتفكك، أو يتوقَّف، فلا زمان يربطه، ولا موقف يثنيه ويثبطه عن مسيره.
2- التكامل: بين النِّية والفعل؛ إذ هو بمجموعه مخلصًا في أهداف وجوده في الحياة، ويتدرج في مدارج الكمال.
3- العلم: جهل الإنسان بحقيقة وجوده لا يمكن أن يبني إخلاصًا في القلب، فلا بد من العلم؛ ليقوى الوعي والإدراك.
4- التدرج: قد يتعثر المخلص، ولكنه ينهض، وهكذا مرارًا وتكرارًا، وكل ذلك في تدرج نحو بلوغ الدرجة الكاملة في الإخلاص.
5- الأمانة: من خلال رعاية حق الله - تعالى - وأداء الفرائض والواجبات، وتأدية الحقوق، والبعد عن الخيانة وحظوظ النفس التي تفسد الإخلاص.
مراتب الوصول إلى الإخلاص:
الأولى: طرح العمل وعدم رؤيته، فضلاً عن طرح طلب العوض عنه.
الثانية: الخجل من العمل، مع بذل الوسع والغاية فيه لإتقانه والإتيان به حسب مراد الشرع.
الثالثة: رؤية التوفيق في العمل المُخْلَص، على أنه جود وتكرُّم ومنَّة من الله - تعالى.
الرابعة: الإخلاص بالخلاص منه، وجعله خالصًا لوجه الله - تعالى.
الآفات المكدرة للإخلاص:
1- الرياء الظاهر: فيأتي الشيطان إلى المصلِّي فيقول له: "حسِّن صلاتك؛ حتى ينظر إليك هذا الحاضر بعين الوقار والصلاح، ولا يزدريك أو يغتابك"، فتخشع جوارحه، وتسكن أطرافه، وتحسن صلاته.
2- دقيق الرياء: وهنا يأتيه الشيطان فيقول له: أنت متبوع، ومقتدى بك، ومنظور إليك، وما تفعله يؤثر عنك، ويتأسَّى بك غيرك، فيكون لك ثواب أعمالهم إن أحسنت، وعليك الوزر إن أسأت، فأحسن عملك بين يديه، فعساه يقتدي بك في الخشوع وتحسين العبادة.
3- أدق الرياء: مع تنبهه لما سبق، وعلمه أن الإخلاص في أن تكون صلاته في الخلوة مثل صلاته في الملأ، ويستحيي من نفسه ومن ربه أن يتخشع لمشاهدة خلقه تخشعًا زائدًا على عادته، فيُقبِل على نفسه في الخلوة، ويحاول تحسين صلاته على الوجه الذي يرتضيه في الملأ، ويصلي في الملأ أيضًا كذلك، فكأن نفس هذا ليست تسمح بإساءة الصلاة بين أظهر الناس، ثم يستحيي من نفسه أن يكون في صورة المرائين، ويظن أن ذلك يزول بأن تستوي صلاته في الخلا والملأ، وهيهات!
والعلاج: أن يعلم أن الإخلاص أن تكون مشاهدة البهائم لصلاته ومشاهدة الخلق على وتيرة واحدة، وذلك بألاَّ ينشغل أو يلتفت إلى الخلق، كما لا يلتفت إلى الجمادات، في الخلا والملأ جميعًا.
منافع الإخلاص:
1- الأساس في قبول الأعمال والأقوال والدعوات.
2- رفعة المنزلة والدرجات في الدنيا والآخرة.
3- يحقق للعبد الطمأنينة والأمن والهداية، وقوة العزيمة في مواجهة الشدائد، والنجاة من الفتن.
4- طرد الهموم والوساوس، وجلب الانشراح للصدر، والسعادة القلبية.
5- يقوي العلاقات الاجتماعية، ويجلب النصر للأمة.
وغيرها من المنافع.
مراجع:
1- التحفة العراقية، لابن تيمية (58).
2- مدارج السالكين، لابن القيم، م 2.
3- إحياء علوم الدين، للإمام الغزالي، م 4.
4- مجلة البيان، العدد181، ص20.
5- سلسلة أعمال القلوب، للمنجد.
6- لسان العرب، لابن منظور، 7/26.
7- التعريفات، للجرجاني، 13.
ــــــــــــــــ
[1] البخاري 1/2 (1)، ومسلم 6/48 (4962).